مصر فالمغرب …. ومقام مولاي إدريس (رض)

من هو مولاي إدريس؟

هو : إدريس بن عبد الله المحض (وهذا لقبه) بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى ابن علي بن أبي طالب (ع) ، ويكنّى أبا عبد الله .

أمّه : عاتكة بنت عبد الملك بن الحارث الشاعر ابن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي.

نشأته : هو ابن بيت النبوة ، وسليل العترة الطاهرة ، إلاّ أننا لم نوفق بمصدر يوثق حياته ونشأته قبل أحداث ثورة (فخ) ضد هارون الرشيد العباسي . وفخ هذه وادٍ بمكة حصلت فيها معركة بين الجيش العباسي وبين ثوار من السادة العلويين بقيادة الحسين بن علي الملقب (بالعابد ) بن الحسن بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب (ع) ، ومن جملة من كان مع الحسين بن علي (العابد) من بني عمومته : إدريس ، وسليمان ويحيى أبناء عبدالله (المحض) رضوان الله عليهم .

وقد جرت أحداث هذه الواقعة في الثامن من ذي الحجة عام 169 هـ ، في منطقة فخ أثناء توجه ذرية آل البيت للحج وهم محرمون (أي يرتدون ثياب الإحرام لأداء فريضة الحج ).

وقد استشهد في هذه الواقعة الحسين بن علي (العابد ) هو وجماعة من أصحابه ، وانتهت المعركة بهزيمتهم وفرار إدريس الى مصر ومنها الى المغرب ، كما سيتضح معنا في سياق المقالة .

وقد نقل أحداث هذه الواقعة (فخ) معظم المؤرخين ، الذين تحدثوا وبشيء من الإسهاب عنها .

ولقد اعتمدنا في نقلنا لهذه الأحداث بكتاب الأصفهاني (مقاتل الطالبيين) ، والذي ذكر أسباب دخول إدريس (رض) لمصر ، كما استعنّا بكتاب ابن عنبة ( عمدة الطالب ) ، للإستفادة من بعض التفاصيل التي لم يذكرها الأصفهاني.

يقول الأصفهاني : أن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن أفلت من وقعة فخ ومعه مولى يقال له راشد فخرج به في جملة حاج مصر وأفريقية . وكان إدريس يخدمه ويأتمر له حتى أقدمه مصر فنزلها ليلاً فجلس على باب رجل من موالي بني العباس فسمع كلامهما وعرف الحجازية فيهما . فقال أظنكما عربيّين . قالا : نعم . قال : وحجازيين . قالا : نعم . فقال له راشد : أريد أن ألقي إليك أمرنا على أن تعاهد الله أنك تعطينا خلة من خلتين : إما أن تؤوينا وتؤمننا ، وإما سترت علينا أمرنا حتى نخرج من هذا البلد .

قال : أفعل : فعرفه نفسه وإدريس بن عبد الله ، فأواهما وسترهما . وتهيأت قافلة إلى إفريقية فأخرج معها راشداً الى الطريق وقال له : إن على الطريق مسالح ومعهم أصحاب أخبار تفتش كل من يجوز الطريق ، وأخشى أن يعرف، فأنا أمضي به معي على غير الطريق حتى أخرجه عليك بعد مسيرة أيّام ، وهناك تنقطع المسالح . ففعل ذلك وخرج به عليه فلما قرب من إفريقية ترك القافلة ومضى مع راشد حتى دخل بلد البربر في مواضع منه يقال لها فاس وطنجة ، فأقام بها واستجابت له البربر.

وبلغ الرشيد خبره فغمه ، فشكا ذلك الى يحيى بن خالد ، فقال : أنا أكفيك أمره . ودعا سليمان بن جرير الجزري وكان من متكلمي الزيدية البترية ومن أولي الرياسة فيهم ، فأرغبه ووعده عن الخليفة بكل ما أحب على أن يحتال لإدريس حتى يقتله ، ودفع إليه غالية مسمومة ، فحمل ذلك وانصرف من عنده ، فأخذ معه صاحباً له ، وخرج يتغلغل في البلدان حتى وصل إلى إدريس بن عبد الله فمتّ إليه بمذهبه وقال: إن السلطان طلبني لما يعلمه من مذهبي ، فجئتك . فأنس به واجتباه. وكان ذا لسان وعارضة ، وكان يجلس في مجلس البربر فيحتج للزيدية ويدعو إلى أهل البيت كما كان يفعل ، فحسن موقع ذلك من إدريس إلى أن وجد فرصة لإدريس فقال له : جعلت فداك ، هذه قارورة غالية حملتها إليك من العراق ، ليس في هذا البلد من هذا الطيب شيء. فقبّلها وتغلغل بها وشمّها ، وانصرف سليمان الى صاحبه ، وقد أعد فرسين ، وخرجا يركضان عليهما . وسقط إدريس مغشياً عليه من شدة السم فلم يعلم من بقربه ما قصته . وبعثوا إلى راشد مولاه فتشاغل به ساعة يعالجه وينظر ما قصته ، فأقام إدريس في غشيته هاته نهاره حتى قضى عشياً ، وتبين راشد أمر سليمان فخرج في جماعة يطلبه فما لحقه غير راشد وتقطعت خيل الباقين ، فلما لحقه ضربه ضربات منها على رأسه ووجهه ، وضربة كتعت أصابع يديه وكان بعد ذلك مكتعاً .

وذكر علي بن إبراهيم، عن محمد بن موسى:

إن الرشيد وجه إليه الشماخ مولى المهدي،وكان طبيباً ،فأظهر له أنه من الشيعة وأنه طبيب ،فاستوصفه فحمل اليه سنوناً وجعل فيه سماً،فلما استن به جعل لحم فيه ينتثر وخرج الشماخ هارباً حتى ورد مصر. وكتب ابن الأغلب إلى الرشيد بذلك، فولّى الشماخ بريد مصر وأجازه.

حدثني أحمد بن محمد بن سعيد ،قال:حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني داود بن القاسم الجعفري:

أن سليمان بن جرير أهدى إلى إدريس سمكة مشوية مسمومة فقتله ، رضوان الله عليه ورحمته .

قالوا: وقال رجل من أولياء بني العباس يذكر قتل إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) .

أتظن يا إدريس أنك مفلتٌ

كيد الخليفة أو يقيك فرار

فليدركنك أو تحلُّ ببلدة

لا يهتدي فيها إليك نهار

إن السيوف إذا إنتضاها سخطه

طالت وتقصر دونها الأعمار

ملك كأن الموت يتبع أمره

حتى يقال تطيعه الأقدار

قالوا : ورجع راشد الى الناحية التي كان بها إدريس مقيماً فدفنه ، وكان له حمل فقام له راشد بأمر المرأة حتى ولدت ، فسماه بإسم أبيه إدريس ، وقام بأمر البربر حتى كبر ونشأ فولي أمرهم أحسن ولاية.

أمّا ابن عنبة فيقول : إدريس بن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، ويكنّى أبا عبد الله ، وشهد فخاً مع الحسين بن علي العابد ابن الحسن المثلث صاحب فخّ ، فلمّا قتل الحسين إنهزم هو حتى دخل المغرب ، فسمّ هناك بعد أن ملك .

وكان قد هرب الى فاس وطنجة ، ومعه مولاه راشد ، ودعاهم الى الدين ، فأجابوه وملكوه ، فاغتمّ الرشيد لذلك حتى امتنع من النوم ، ودعا سليمان بن جرير الرقي متكلم الزيدية وأعطاه سماً.

فورد سليمان بن جرير الى إدريس متوسماً بالمذهب ، فسرّ به إدريس ابن عبد الله ، ثم طلب منه غرّة ، ووجد خلوة من مولاه راشد ، فسقاه السم وهرب ، فخرج راشد خلفه ، فضربه على وجهه ضربة منكرة وفاته ، وعاد وقد مضى إدريس لسبيله .

والفرق بين رواية الأصفهاني ورواية ابن عنبة ، أن الأول أي الأصفهاني يتحدث روايته عن إدريس (رض) وطريق خروجه من الحجاز ودخوله مصر قبل أن يتوجه نحو المغرب . في حين أن ابن عنبة لم يذكر هذا التفصيل .

ويضيف ابن عنبة ، ويقول : وأعقب ادريس بن عبد الله المحض من إبنه : إدريس بن إدريس وحده.

وكان إدريس بن إدريس لما مات أبوه حملاً ، وأمه أم ولد بربرية ، ولما مات إدريس بن عبد الله المحض وضعت المغاربة التاج على بطن جاريته أم إدريس ، فولدته بعد أربعة أشهر .

قال الشيخ أبو نصر البخاري : قد خفي على الناس حديث إدريس بن إدريس لبعده عنهم ، ونسبوه الى مولاه راشد ، وقالو: إنه احتال في ذلك لبقاء الملك له ، ولم يعقب إدريس بن عبد الله .

وليس الأمر كذلك ، فإن داود بن القاسم الجعفري ، وهو أحد كبار العلماء، وممن له معرفة بالنسب ، حكى أنه كان حاضراً قصة إدريس بن عبد الله وسمّه وولادة إدريس بن إدريس .

قال : وكنت بالمغرب فما رأيت أشجع منه ، ولا أحسن وجهاً .

وقال الرضا علي بن موسى الكاظم (ع) : إدريس بن إدريس بن عبدالله من شجعان أهل البيت ، والله ما ترك فينا مثله .

وقال أبو هاشم داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر الطيّار : أنشدني إدريس بن إدريس لنفسه :

ومال صبري بصبر الناس كلّهم

لكل في روعتي أو ضلّ في جزعي

بان الأحبة فاستبدلت بعدهم

همّاً مقيماً وشملاً غير مجتمع

كأنني حين يجري الهمّ ذكرهم

علي ضميري مجبول على الفزع

تأوي همومي إذا حرّكت ذكرهم

إلى خوارج جسم دائم الجزع

فأعقب إدريس بن إدريس بن عبدالله المحض من ثمانية رجال : القاسم ، وعيسى ، وعمر ، وداود ، ويحيى، وعبدالله ، وحمزة وعلي . وقد قيل : أنه أعقب من غير هؤلاء أيضاً ، ولكل منهم ممالك ببلاد المغرب هم بها ملوك الى الآن.

ونضيف على ما ذكره ابن عنبة : أن سلالة وذرية إدريس بن إدريس بن عبد الله المحض (رض) هم الذين يعرفوا الآن في المغرب بالأشراف أو الأدارسة وعلى رأسهم الملك المغربي الحالي . كما أن لهم نقابة تعني بهذه الذرية الطاهرة تعرف بنقابة الأشراف. ويكفيهم فخراً أنهم من ذرية آل بيت النبوة ومهبط الوحي، وأنهم من ذرية من قال الإمام الرضا(ع) بحق جدهم إدريس بن إدريس : (( رحم الله إدريس بن إدريس فإنه كان نجيب أهل البيت وشجاعهم والله ما ترك فينا مثله آبائه )) . وهذا الحديث نقله الأعلمي الحائري في (( دائرة المعارف )) عند ترجمة إدريس بن إدريس (رض).

أمّا عن مرقده الشريف في المغرب فهو أشهر من أن يعرف ، وهو يقع في محافظة مكناس، في منطقة تسمى (زرهون) ، وهي منطقة جبلية غنية بالأشجار وتمتاز بمناخ معتدل الى بارد. كما أنها تعرف (زرهون) بإسم مدينة ( مولاي إدريس ) وهي مقصد من قبل المغاربة بشكل غير عادي وكبير ، كما أنها محطة لزيارة العديد من السياح الأجانب الذين يزون تلك المنطقة الغنية بالآثار الرومانية .

وهذا المقام الشريف هو محط عناية خاصة من قبل الملك المغربي الذي يحمل لقب أمير المؤمنين ، كما أنه محط إهتمام نقابة الأشراف والمغاربة عموماً ، وهو مكان يقصد للتبرك والصلاة والدعاء لقضاء الحوائج كافة ، وهو عامر بالصلاة وقراءة القرآن والأدعية الخاصة . ولقد تشرفت بزيارة هذا المقام الشريف في النصف الثاني من العام 2016 للميلاد وكما تظهر الصور المرفقة ذلك .

وبالختام أتوجه بالسلام على سيدي ومولاي إدريس (رض) إبن سادتي وموالي آل بيت النبوة صلوات الله عليهم أجمعين، وأقول لهم : طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.